تأتي الفنون في مقدمة الإنجازات الإنسانية التي تستطيع تغيير مجتمعات كاملة، والموسيقى ـ في اعتقادي ـ تقف في مقدمة هذه الفنون، هذا ما آمنت به ومازلت ، ومن أجل هذا أسعى نحو خلق موسيقى صافية تستطيع أن تحاور أرواح الناس وتقوم بإيصال رسالتي.
وهذا ما يستطيع أي متابع لعملي أن يشعر به، فمقطوعات مثل «على حافة الألم»، و»حدث في العامرية»، و»حرية»، و«رقصة المقاومة» و«حلم مريم» …
الخ استطاعت أن ترصد حالات إنسانية أثرت فيّ وأردت ترجمة هذا التأثير إلى موسيقى. الموسيقى تستطيع أن تخلق زمانها. وتستعير أزمنة أخرى ومن الممكن أن تصبح وثيقة تاريخية.
الموسيقى أداة مهمة تسمو بالنفس وترتفع بها لعالم الجمال والحب، والأهم من ذلك هي سلم ثقافي، لا بد أن يكون مبدعها على درجة عالية من الثقافة، وربما أسوق هنا مقولة الفيلسوف بن جونسون، الذي أعلن ذات مرة (إن للفن عدوا اسمه الجهل)، وربما لهذا أيضا نجد أن رجال الدين والسياسة والأدب ينظرون إلى الموسيقى بصفتها مجالا كبيرا لإيصال رسائلهم، ومنهم من استخدم الموسيقى فعلا من أجل قضية ما. وهنا أذكر الفيلسوف أوغسطين بكتابه في الموسيقى عندما تكلم عن الموسيقى، من حيث هي مبحث يمهد للدراسات الفلسفية، إضافة إلى ديكارت الذي اعتبر أن الموسيقى هي رياضة في أساسها، ضاما صوته إلى صوتي أفلاطون وأرسطو، ومعزيا للموسيقى القيم الأخلاقية قائلا، إن للموسيقى تأثيرا مباشرا في النفس البشرية، معربا عن إيثاره للإيقاعات التي لا تهيج الانفعالات أو تثيرها إلى حد مفرط.
حينما أفكر في الموسيقى أجد نفسي أفكر ببناء مجتمع، فالموسيقى قادرة على أن تخلق جيلا جديدا يتسم بعقلانية واسعة وبحلم في آن واحد، وربما تتوافق معي نفسيا مقولة جان جاك روسو، الذي رأى أن الإنسان لو دأب على الاستماع إلى الإيقاعات الموسيقية السليمة، فإنه سيستطيع أن يعيش وفقا للقانون الطبيعي ويتحد بالطبيعة. ولقاؤنا هنا، اليوم، على أساس أن للموسيقى أهدافا تخص مجتمعات، كما أنها أحيانا تكون خالصة للفن، وعلى أي وجه هي حالات فنية.
اليوم أحاول أن أخاطب عبر الموسيقى آمال شعوبنا وتطلعاتها وهمومها وآفاق مستقبلها، كما أود أن أحيي الناس وفي كل أنحاء العالم على إيمانهم بهذه الرسالة، واستقبالهم لهذه الموسيقى التي تسعى لترسم للمرأة والطفل والإنسان كيانا في عالم الجمال الذي خصه الله بالمحبة. يبقى أن أقول إنه في عالم يمتلئ بالقبح والحرب والقتل، تستطيع الموسيقى أن تقول كلمتها بجمال يخرج من الألم، أو بزهرة سميتها زهرة الألم، لأن باستطاعتها أن تزهر دائما وتبعث بشذاها في الوجود، على الرغم من أن كل ما حولها يتسم بالخراب.
المصدر: القدس العربي